كان قطاع غزة حتي الامس القريب سجنا كبيرا مساحته مئة وخمسون ميلا مربعا، يضم مليون ونصف المليون معتقل نصفهم من الاطفال دون سن السادسة عشرة، الآن وبعد ان اغلق ايهود اولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي كل المعابر، واوقف الوقود والغاز والدواء والطعام بشكل محكم، تحول القطاع الي فرن غاز كبير اشد فتكا من افران النازية. احد الاقارب في القطاع اتصلت به للاطمئنان عن صحته، والتعرف علي الاوضاع علي حقيقتها، وكبادرة تضامن، قال لي بالحرف الواحد ان الموت ارحم، لان العذاب الذي يعيشه ابناء القطاع لا يطاق. فما هو اصعب من الموت ان تشاهد طفلك الجريح يذوي امامك ويغرق في غيبوبة الموت، دون ان تستطيع ان تفعل له اي شيء. فلا كهرباء ولا دواء ولا غرف عمليات، لا شيء علي الاطلاق غير الموت. هناك اكثر من اربعمئة جريح فلسطيني نصفهم من الاطفال، يرقدون في العراء، وسط برد قارس، ودون اي امل في انقاذهم. حتي ثلاجات الموتي والشهداء توقفت عن العمل، فكيف تعمل دون كهرباء؟ خمسون شهيدا سقطوا في القصف الاسرائيلي المتواصل علي القطاع المنكوب في اقل من ثلاثة ايام. ويخرج علينا اولمرت صديق الرئيس بوش الحميم، وبعض العرب، ليقول لنا بابتسامة الواثق، ان الغارات ستستمر، وكذلك الحصار. هذه هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط، التي تمثل الحضارة الغربية في المنطقة، الدولة التي قامت تحت ذريعة انقاذ اليهود من الموت والاضطهاد وابتزت العالم بأسره ماديا وعاطفيا بسبب الهولوكوست ، تمارس ما هو ابشع من الهولوكوست فالموت جوعا او بردا او برصاص طائراتها اكثر اجرامية وأشد من الموت بأفران الغاز. |
هذا العالم الغربي المنافق يقوم ولا يقعد بسبب دارفور، ويغزو العراق، ويحتله، ويقتل مليونا من ابنائه، تحت شعار تحرير العراقيين، وحماية ارواحهم من دكتاتورية النظام السابق ويقيم دولة لأهل تيمور الشرقية، ولكنه لا يحرك ساكنا عندما تمارس اسرائيل مجازرها في حق ابناء الشعب الفلسطيني. فاسرائيل فوق كل القوانين، تستطيع ان تفعل ما تشاء، تقتل، تدمر، تجوع، تحاصر دون اي حساب.
نلوم انفسنا كعرب ايضا، قبل ان نلوم العالم، فالحكومات العربية تعيش صمت المتواطئ ، لا تفعل اي شيء غير اصدار بيانات الادانة والشجب المخففة علي استحياء شديد، لا تريد اغضاب اسرئيل ولا احراج حليفتها امريكا.
لماذا لا يفتح الرئيس المصري حسني مبارك معبر رفح امام الجرحي وقوافل الاغاثة لمواطنين هو مسؤول عنهم مسؤولية قانونية، قبل ان تكون اخلاقية، فعندما جري احتلال قطاع غزة كان يتبع للادارة المصرية مباشرة، وابناؤه يدرسون المناهج المصرية وتاريخ الفراعنة، وبطولات مينا موحد القطرين.
هل يخشي الرئيس مبارك ان يتهم بخرق القوانين الدولية اذا ما فتح المعبر امام الاطفال الجرحي، او لقوافل الاغاثة، وهل عدم اغضاب اسرائيل اهم بالنسبة اليه من عدم اغضاب ثمانين مليون مصري يتعاطفون بالكامل مع اشقائهم ابناء قطاع غزة الذين يشكلون ركيزة اساسية في الامن الوطني المصري، وقدموا آلاف الشهداء دفاعا عن قضيتهم العادلة، وما زالوا مستعدين لتقديم اضعاف هذا الرقم لو قررت دولتهم الخروج من حال الهوان الذي تعيشه، والانتفاض لنصرة الحق ورفع الظلم عن الاشقاء ابناء العرق والعقيدة الواحدة!
جميع الدول الاوروبية وقفت الي جانب بلغاريا في قضية خمس ممرضات اعتقلن في ليبيا بتهمة حقن اطفال بفيروس الايدز، ولم ترفع الحصار عنها الا بعد الافراج عن هؤلاء الممرضات، رغم انهن كن يعشن في فيلات مكيفة ومجهزة بأحدث وسائل الراحة.
جميع الدول الافريقية وقفت الي جانب نيلسون مانديلا في حربه العادلة ضد النظام العنصري، وقدمت آلاف الضحايا، وفتحت اراضيها لحركة المقاومة، ومدتها بالمال والسلاح والرجال حتي اطاحت بالنظام العنصري، ولم نسمع ان اي دولة افريقية عايرت مانديلا، او تمننت عليه بالوقوف الي جانبه وما ترتب علي ذلك من خسائر اقتصادية او بشرية لشعبها.
هؤلاء الزعماء العرب الذين استقبلوا الرئيس جورج بوش بالأوسمة والنياشين ورقصات السيوف وعقود الاسلحة الدسمة بعشرات المليارات، لماذا لم يتصلوا به غاضبين مطالبين بالتدخل لدي اصدقائه الاسرائيليين لوقف هذه المأساة الانسانية المروعة في قطاع صغير محاصر؟
نسأل الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن سبب مكوثه في رام الله وعدم القيام فورا بجولة عربية وعالمية من اجل تحريك الضمائر الميتة. نسأله ايضا عن سبب عدم توجهه الي قطاع غزة للتضامن مع الشعب المحاصر. نحن علي ثقة انه لو ذهب لوجد كل الترحيب، ولتحولت زيارته هذه إلي بلسم يشفي كل جراحات الخلافات الفلسطينية الداخلية، وتعيد توحيد الشعب الفلسطيني.
المؤلم أن الرئيس عباس اكتفي بـ التهديد بوقف المفاوضات مع شركائه الإسرائيليين، فهل بقي هناك أي مفاوضات أو شركاء بعد كل هذه المجازر، وبعد كل هذه الممارسات الإسرائيلية النازية في حق أبناء شعبه؟
ولا ننسي في هذه العجالة أن نوجه اللوم أيضا إلي حركة حماس ، والسيد سعيد صيام وزير داخليتها السابق، الذي أعلن وسط هذا الظرف العصيب عن كشف خطة لاغتيال إسماعيل هنية رئيس الوزراء في الحكومة المنتخبة والمقالة، متورط فيها بعض عناصر حركة فتح . فهل هذا وقت رش الملح علي جرح الخلافات؟ وهل نحن في حاجة إلي تبادل الاتهامات وبيانات التكذيب في وقت لا يجد فيه الشهداء ثلاجة للموتي، والجرحي الحد الأدني من العلاج الذي يبقيهم علي قيد الحياة؟
الشعب الفلسطيني يتصدي ببطولة للحصار والتجويع، ويواجه الموت بعزيمة قوية، وإيمان صلب بعقيدته وهويته العربية، رغم كل هذا العقوق من قبل حكومات وزعامات تنفق مئات المليارات من ثروات هذه الأمة في صفقات أسلحة ليس الهدف منها مواجهة الأعداء، وإنما إنقاذ اقتصاد أمريكا وفرنسا وبريطانيا من الركود الاقتصادي وتوفير الوظائف للعاطلين عن العمل فيها.
صمود هذا الشعب هو الذي يربك الإسرائيليين ويفضح صورتهم الهمجية أمام العالم بأسره، ويكشف مدي دمويتهم وتعطشهم لقتل الأبرياء وإبادة شعب صغير، وممارسة أبشع أنواع العقوبات الجماعية في حقه.
ما يفعله أولمرت ووزير دفاعه باراك في قطاع غزة حاليا هو دليل يأس، وليس مؤشر قوة، وتعبير عن هزيمة داخلية، فلم ينتصروا في حربهم الأخيرة في لبنان، ولم يقضوا علي المقاومتين الإسلاميتين في لبنان وفلسطين، ولا يعرفون كيف يتعاملون مع إيران، وفوق هذا وذاك فشلوا في فرض التطبيع علي العرب، ودول الخليج علي وجه التحديد.
لا نبالغ إذا قلنا إن أبناء قطاع غزة الصابرين الصامدين هم الذين يعيشون في النور، نور الطمأنينة والدفاع عن الأمة والعقيدة، أما الآخرون، فهم الذين يعيشون في ظلام تقاعسهم وتواطئهم وصمتهم، وهو لعمري، أكثر حلكة وظلاما.
نلوم انفسنا كعرب ايضا، قبل ان نلوم العالم، فالحكومات العربية تعيش صمت المتواطئ ، لا تفعل اي شيء غير اصدار بيانات الادانة والشجب المخففة علي استحياء شديد، لا تريد اغضاب اسرئيل ولا احراج حليفتها امريكا.
لماذا لا يفتح الرئيس المصري حسني مبارك معبر رفح امام الجرحي وقوافل الاغاثة لمواطنين هو مسؤول عنهم مسؤولية قانونية، قبل ان تكون اخلاقية، فعندما جري احتلال قطاع غزة كان يتبع للادارة المصرية مباشرة، وابناؤه يدرسون المناهج المصرية وتاريخ الفراعنة، وبطولات مينا موحد القطرين.
هل يخشي الرئيس مبارك ان يتهم بخرق القوانين الدولية اذا ما فتح المعبر امام الاطفال الجرحي، او لقوافل الاغاثة، وهل عدم اغضاب اسرائيل اهم بالنسبة اليه من عدم اغضاب ثمانين مليون مصري يتعاطفون بالكامل مع اشقائهم ابناء قطاع غزة الذين يشكلون ركيزة اساسية في الامن الوطني المصري، وقدموا آلاف الشهداء دفاعا عن قضيتهم العادلة، وما زالوا مستعدين لتقديم اضعاف هذا الرقم لو قررت دولتهم الخروج من حال الهوان الذي تعيشه، والانتفاض لنصرة الحق ورفع الظلم عن الاشقاء ابناء العرق والعقيدة الواحدة!
جميع الدول الاوروبية وقفت الي جانب بلغاريا في قضية خمس ممرضات اعتقلن في ليبيا بتهمة حقن اطفال بفيروس الايدز، ولم ترفع الحصار عنها الا بعد الافراج عن هؤلاء الممرضات، رغم انهن كن يعشن في فيلات مكيفة ومجهزة بأحدث وسائل الراحة.
جميع الدول الافريقية وقفت الي جانب نيلسون مانديلا في حربه العادلة ضد النظام العنصري، وقدمت آلاف الضحايا، وفتحت اراضيها لحركة المقاومة، ومدتها بالمال والسلاح والرجال حتي اطاحت بالنظام العنصري، ولم نسمع ان اي دولة افريقية عايرت مانديلا، او تمننت عليه بالوقوف الي جانبه وما ترتب علي ذلك من خسائر اقتصادية او بشرية لشعبها.
هؤلاء الزعماء العرب الذين استقبلوا الرئيس جورج بوش بالأوسمة والنياشين ورقصات السيوف وعقود الاسلحة الدسمة بعشرات المليارات، لماذا لم يتصلوا به غاضبين مطالبين بالتدخل لدي اصدقائه الاسرائيليين لوقف هذه المأساة الانسانية المروعة في قطاع صغير محاصر؟
نسأل الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن سبب مكوثه في رام الله وعدم القيام فورا بجولة عربية وعالمية من اجل تحريك الضمائر الميتة. نسأله ايضا عن سبب عدم توجهه الي قطاع غزة للتضامن مع الشعب المحاصر. نحن علي ثقة انه لو ذهب لوجد كل الترحيب، ولتحولت زيارته هذه إلي بلسم يشفي كل جراحات الخلافات الفلسطينية الداخلية، وتعيد توحيد الشعب الفلسطيني.
المؤلم أن الرئيس عباس اكتفي بـ التهديد بوقف المفاوضات مع شركائه الإسرائيليين، فهل بقي هناك أي مفاوضات أو شركاء بعد كل هذه المجازر، وبعد كل هذه الممارسات الإسرائيلية النازية في حق أبناء شعبه؟
ولا ننسي في هذه العجالة أن نوجه اللوم أيضا إلي حركة حماس ، والسيد سعيد صيام وزير داخليتها السابق، الذي أعلن وسط هذا الظرف العصيب عن كشف خطة لاغتيال إسماعيل هنية رئيس الوزراء في الحكومة المنتخبة والمقالة، متورط فيها بعض عناصر حركة فتح . فهل هذا وقت رش الملح علي جرح الخلافات؟ وهل نحن في حاجة إلي تبادل الاتهامات وبيانات التكذيب في وقت لا يجد فيه الشهداء ثلاجة للموتي، والجرحي الحد الأدني من العلاج الذي يبقيهم علي قيد الحياة؟
الشعب الفلسطيني يتصدي ببطولة للحصار والتجويع، ويواجه الموت بعزيمة قوية، وإيمان صلب بعقيدته وهويته العربية، رغم كل هذا العقوق من قبل حكومات وزعامات تنفق مئات المليارات من ثروات هذه الأمة في صفقات أسلحة ليس الهدف منها مواجهة الأعداء، وإنما إنقاذ اقتصاد أمريكا وفرنسا وبريطانيا من الركود الاقتصادي وتوفير الوظائف للعاطلين عن العمل فيها.
صمود هذا الشعب هو الذي يربك الإسرائيليين ويفضح صورتهم الهمجية أمام العالم بأسره، ويكشف مدي دمويتهم وتعطشهم لقتل الأبرياء وإبادة شعب صغير، وممارسة أبشع أنواع العقوبات الجماعية في حقه.
ما يفعله أولمرت ووزير دفاعه باراك في قطاع غزة حاليا هو دليل يأس، وليس مؤشر قوة، وتعبير عن هزيمة داخلية، فلم ينتصروا في حربهم الأخيرة في لبنان، ولم يقضوا علي المقاومتين الإسلاميتين في لبنان وفلسطين، ولا يعرفون كيف يتعاملون مع إيران، وفوق هذا وذاك فشلوا في فرض التطبيع علي العرب، ودول الخليج علي وجه التحديد.
لا نبالغ إذا قلنا إن أبناء قطاع غزة الصابرين الصامدين هم الذين يعيشون في النور، نور الطمأنينة والدفاع عن الأمة والعقيدة، أما الآخرون، فهم الذين يعيشون في ظلام تقاعسهم وتواطئهم وصمتهم، وهو لعمري، أكثر حلكة وظلاما.