رقية سليمان الهويريني
يتوافد ملايين المصطافين إلى كوريا الجنوبية كل عام، لا للاستمتاع بالطبيعة الفاتنة والجبال الشاهقة والتلال البديعة، والمعالم الحديثة والأثرية والقصور التاريخية فحسب، بل لحضور مهرجان يقيمه الكوريون مرتين أو ثلاثا في السنة لمشاهدة ظاهرة طبيعية فريدة من نوعها وهي انشقاق البحر إلى جزأين، وظهور ممر طويل يبلغ طوله 2.8 كيلو متر وعرضه40 متراً يؤدي إلى جزيرة جيندو، ويعرف باسم Jindo Sea Festival . يشق هذا الممر المدهش البحر في أشهر (مارس ومايو وأغسطس) وتكون مدته ساعة واحدة على الأقل، وبعدها يعود البحر لما كان عليه سابقاً، تبعا للمد والجزر. وخلال هذا المهرجان يقدم الكوريون ألعابا نارية وعروضا تقليدية للزوار الذين يستمتعون بالمرور مشيا على الأقدام وسط البحر دون قوارب أو سفن، ويلتقطون الصور التذكارية الجميلة.
الملاحظ أن أكثر الزوار هم من المصطافين الفرنسيين، وسبب توافدهم لهذه الدولة الآسيوية هو زيارة السفير الفرنسي لهذا المكان إبان فترة عمله فيها، وبعد عودته لبلاده كتب العديد من المقالات في الصحف الفرنسية مما جعل الناس من قراء مقالاته يندهشون، وبالتالي، توجه بعضهم سياحة لهذا المكان الفريد من نوعه. وبالمناسبة، فإن المرء ليتساءل عن دور الكتََّاب والصحفيين في نشر ثقافة الاصطياف والكتابة عنها بأسلوب قصصي جذاب، وعن رحلاتهم للأماكن المدهشة والغريبة التي زاروها، وهو ما يمكن أن نطلق عليه التفكر في خلق الكون، وتجلي عظمة الله سبحانه وتعالى في هذه الأرض، ونقل تجارب الشعوب وطريقة حياتهم، وتصوير مشاهد جميلة وباهرة أكثر من الاستعراض بالسفر في حد ذاته، بدلا من الاستدلال بما نشاهده من مسلسلات طويلة ومملة من لدن بلد بعينه؛ لنشد إليها الرحال في الإجازات الصيفية ونعود ونحن لا نحمل إلا ذكريات مناظر السحنات الشقراء.
وتسري المطالبة على البعثات الدبلوماسية ممن تنقّلوا في بقاع المعمورة سفراء لبلادهم، فيحسن بهم كتابة تجاربهم الثرية أثناء زيارتهم للبلدان والأماكن المناسبة للاصطياف في الدول التي سافروا لها أو أقاموا فيها فترة عملهم،بحيث يجمعون بمصداقية خلاصة هذه الرحلات والمواقف المتعددة، والتي يمكن أن تكون مرجعا لمن أراد الفائدة والاستزادة، كما يجدر بهم إبراز دورهم في جذب السياح لبلادنا التي تحوي أماكن تاريخية وسياحية غاية في الثراء والجمال.
الجميل في ظاهرة انشقاق البحر في كوريا الجنوبية هو تسمية السياح لهذا المكان (بمعجزة موسى) وإدراكهم أنها معجزة إلهية، برغم أن المكان الحقيقي لمعجزة انشقاق البحر إبان زمن سيدنا موسى عليه السلام كانت في مصر، ولكن التسمية جرت للتشبيه فحسب، ولانضمام الجزأين بعد انشقاقهما وعودة المياه للجريان، وانعدام وجود ما يدل على الانشقاق إطلاقا ! وهو بلا شك مشهد جميل جداً ومنظر في غاية الروعة، فضلا عن استشعار الحدث الرئيس والعبرة البالغة والحجة الظاهرة التي تدل على كمال قدرة الله وعظيم انتقامه عز وجل عندما انشق البحر بأمر الله وبعصا موسى عليه السلام؛ ليعبره هربا من فرعون وجنده بعد أن اشتد الأمر وضاق الحال به، ولأن الله جل شأنه يريد أن يريه شدة بطشه وقدرته على إنقاذ عباده الموحدين بمعجزة باهرة، وهو حدث عظيم وأمر جليل انتصر فيه موسى عليه. ويقال إنه توجد في عمق البحر بقايا عربات وآثار فرعونية متحجرة ومتكلسة.
يبدو أن كوريا الجنوبية ليست بلدا صناعيا فحسب، بل إنها بلد سياحي جميل يستلهم فيها السائح العبر التاريخية، ويسترجع فيها المعجزات الربانية الخارقة التي تظهر وتتكرر دون إدراك البعض لأسرارها الباهرة !
*نقلا عن "الجزيرة" السعودية